تراجع الحريات في زمن تقدم الديمقراطيات
مهند طلال الساير
االكويت
شهد المجتمع الكويتي مداً وجزراً في الحريات منذ قيام الدولة وحتى الوقت الراهن ، و ترسخت مسألة الحريات عندما أصبحت أحد الحقوق التي كفلها الدستور الكويتي وتوّجها بضمانة الإستمرارية والديمومة والتوسع عبر المادة ١٧٥ منالدستور التي نصت على ( أن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذاالدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة ) ، وهذاالضمان للحريات يمثل أهم أنواع الضمانات التي قدمها المشرّع الدستوري للشعب الذي جعل النموذج الكويتي في الحريات سباقاً على مستوى دول المنطقة و محط أنظار وتطلّع الشعوب والنخب السياسية على مستوى الإقليم .
إلا أننا نعايش اليوم إنحرافاً وتدني غير مسبوق في مستوى الحريات العامة للأفراد وتعدي السلطة على الحقوق الدستورية للشعب ، وتجاوزاً غير محمود في قمع الحريات وتكميم الأفواه مما ساهم في إعادة التفكير بجدوى النموذج الكويتي المتفرد في الحريات والجرأة في الطرح وبسقف مرتفع للحريات في منطقة لم تترسخ فيها هذه المفاهيم والممارسات إلا بعد عقد من الزمن ، حتى أصبح يُنظر الى النموذج الكويتي بأنه لم يعد نموذجا ملهماً ومحفزاً في حال إستمرت مجريات الأمور إلى إنحدار .
مما لاشك فيه أن إرتفاع معدلات الفساد وتراجع الكويت في المؤشرات الدولية وتزايد قضايا الإعتداء على المال العام واستغلال النفوذ جميعها ذات إرتباط وثيق في سقف الحريات ، فالرأي العام يمثل قاعدة رقابة مكملة لدور الأجهزة الرقابية والتي على رأسها السلطة التشريعية ، ولما كانت الأحكام الصادرة بحق مواطنين في قضايا الرأي (مغردين) بلغت 589 حكماً، خلال الفترة من 1 فبراير 2016 حتى 31 ديسمبر 2018 في حين كانت البلاغات التي تلقتها هيئة مكافحة الفساد خلال ذات الفترة بلغت 170 بلاغ ، وإجمالي البلاغات المحالة للنيابة العامة بلغت 45 بلاغ منذ 2016 حتى 2021 ، حيث رصدت "نزاهة" 19 قضية فساد كان الباعث الرئيسي هو إثارتها عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال العام 2020 ، فمتى ما ازدادت مساحة الحريات والتعبير عن الرأي وإنفتاح الصحافة متى ما ضاقت السُبل بالفاسدين والراشين والمرتشين وبارت بهم الحيل ، وكلما إنخفض مستوى الشفافية والحرية كلما زاد الفساد واستشرى وسيطر على مفاصل الدولة .
حرية التعبير في الكويت باتت مهددة بعد أن أصبح لدينا أحكاماً بالسجن ومهجرين قسراً بسبب قضايا الرأي ، وأصبحت النصوص القانونية تُفسر وتُعطّل وفق رغبات السلطة لا وفق ما أراد منها المشرّع ، مما دفعنا اليوم إلى الإستعجال في تقويم الوضع القائم وإصلاح المنظومة القانونية التي تم حصرها بقوانين تقييد الحريات ، وإعطائها صفة الأولوية والإستعجال وإقرارها ومتابعة تنفيذها حتى لا تكون السجون مكاناً للمفكرين والسياسين والإعلامين وأبناء الكويت أكثر من كونها مكاناً للراشين والمرتشين وسراق المال العام