دخول المجلس

مؤسف القول أن كويتنا اليوم تجعل ابنائها الاحرار الصالحين يتساءلون "أي ذنبٍ اقترفناه ليكون ربيع عمرنا مُتزامناً مع خريف الوطن؟" وتجعل الفاسدين ينطقون بالفم الفاسد ويقولون "هناك أناس سمعوا بأن الوطن غالي فباعوه". مؤسف القول أن كويتنا اليوم قد جعلت من الحقوق شبهات، ومن الحرية تعديات، حتى وصلنا الى انحداراً تام في الديمقراطية. يؤسفني القول بأن كويتنا اليوم تطبق الأحكام على فئة من الشعب وتناست الحكم على فئة أخرى حتى وصلنا للانحدار في القضاء. يؤسفني القول بأن الأمور قد اتضحت وياليتها لم تتضح من قسوتها، وقد انقلبت الموازين حتى أصبحنا نرى الفاسد بطلاً، والمصلح فاسقاً وأصبحنا نعيش هذه الكارثة يومياً. هل تناسيتم الأبطال الأحرار الذين وقفوا وقفة الشرف لمكافحة الفَساد والفُساد ؟ أم تناسيتم الأبطال الأحرار الذين وقفوا وقفة الشرف لإيصال صوت الشعب العالي وسلطتهُ؟ أم تناسيتم الطفل والزوجة الذين ينتظرون بطلهم البعيد الذي حكم عليه بالسجن لممارسة حقوقه وحرياته؟ لربما تتسائلون ما الكارثة التي تم ذكرها، وهي أن كويتنا اليوم قد جعلت الحرية كاذبة، والمساواة سالبة، وأغلقت العدل وأبوابه، وفي الأحكام تفرق بين جماعة وجماعة. كم هو مؤسف القول بأنه لم يتبقى لنا غير حرية واحدة هي حرية النضال من أجل الحرية. 

 

في عام ٢٠١١ قد بدأت كارثة من الكوارث تسمى "مجلس القبيضة" وبالطبع دُهش الشارع السياسي الكويتي بالكارثة مما ادى إلى قيام ندوات اسبوعية في ساحة الارادة يعبر فيه نواب المعارضة والناشطين السياسيين عن مطالبتهم بحل المجلس. كان من الغالب حينها أن تبدأ مسيرات سلمية بعد هذه الندوات من ساحة الإرادة وتنتهي إليها، ولم يتحتم عادةً وجود القوات الخاصة. في تاريخ ١١/١٦/٢٠١١ عقدت ندوة في ساحة الارادة من قبل نواب المعارضة والناشطين السياسيين وكعادة الندوات الاسبوعية السابقة لم يُفترض وجود القوات الخاصة بالقرب من موقع قيام الندوة (ساحة الارادة) وأثناء انعقاد هذه الندوة رأى النائب خالد السلطان أمراً يثير الإعجاب وهو تواجد القوات الخاصة لأول مرة بين المتجمهرين في ساحة الارادة، وقد أبلغ القيادات والمسؤولين في قيام الندوة بهذا الأمر وطلب منهم اتخاذ الحيطة والحذر. وبعد الانتهاء من الندوة اتجه المتجمهرين إلى مواقف السيارات التي كانت بعيدة عن نقطة التجمع في ساحة الإرادة ليعودوا إلى أهلهم وبيوتهم سالمين، حتى وقع امراً غريباً من قبل قوات الأمن حيث قاموا بوضع حواجز اتجاه قصر رئيس الوزراء واتجاه مجلس الوزراء مما ادى إلى الاصطدام بالحاجز وعرقلة سير المواطنين في الوصول إلى مركباتهم وعودتهم الى بيوتهم سالمين. لم يهتم القائمين على الاصطدام وعرقلة سير الناس للوصول إلى مركباتها بشأن الأطفال البريئين ولم يهتموا بشأن الأمهات الحاضرين بل أصروا على عدم افساح الطريق رغم المطالبات من قبل رجال الحراك بافساح الطرق  ليصل كل من المرأة والطفل والرجل إلى بيته. لاشك وقد برز الاحتكاك الواضح بين رجال الامن وبعض المتجمهرين بعد الاحتكار الظالم الذي وقع على الحاضرين من قبل الأمن لمجرد موقفهم السياسي الواضح.

 

وقوع مجلس الأمة بامتداد شارع شرقي غربي يعني بوجود قصر رئيس مجلس الوزراء غرباً ومجلس الوزراء شرقاً وعِلم المتظاهرين بوضع الحواجز اتجاه هذه الأماكن وعدم فسح الطريق جعلهم مكبلين الأيدي ليسوا مخيرين إلا بالدخول للمجلس. وفي اليوم التالي استيقظت الكويت على من يرى ان ماحدث كان اقتحام مقصده الضرر والاذى ومن يرى ان ماحدث كان دخولاً سلمي لوقفةٌ سياسية هدفها التعبير عن رائياً سياسياً وللاحتماء أيضاً لما بدر من ظلم وعنف تجاه المتجمهرين في ساحة الإرادة. كم هو مثير الإعجاب أمر وطني، فكيف من كان يدافع عن الكويت من الكارثة اصبح الكارثة نفسها؟ عليك بأن تُحدث العاقل بما يعقل فكيف يسمى ما حدث بـ "الاقتحام" وقد تم فتح البوابات؟ يقول العسكري مبارك الهاجري، الذي كان مسؤولاً عن بوابة مجلس الأمة يوم وقوع الحدث، بأن النواب لم يدخلوا مقتحمين، وإن الهاجري والمسؤولن قد فتحوا لهم الأبواب بأمر من اللواء بسام الرفاعي ولم يتم تكسيرها. وأيضاً ذكر الهاجري أمام القاضي بأن هناك من كان يحاول إجباره ليقول أن الدكتور وليد الطبطبائي و السيد مسلم البراك هم من كسروا الأبواب. واثق الخطوة لا يمشي جباناً و واثق الخطوة لا يبحث من يلعب معه الاعيبه الصغيرة. وكما اكد الرقيب فهد العازمي بشهادته أن الشباب لم يعتدوا على حرس المجلس عند وصولهم للبوابة ولم يحاولوا فتحها بالعنف والقوة واستمعت المحكمة لشهادة اللواء بسام الرفاعي والذي اكد من خلالها ان النواب والجمهور لم يستخدموا العنف عند دخولهم للمجلس وقال أيضاً اللواء بأنه يتحمل المسؤولية عن فتح بوابة مجلس الأمة في ذلك اليوم.

 

لقد حاولت كثيراً أن أبحث عن معنى آخر لكلمة "اقتحام" في معجم اللغة العربية حتى أتطمن أنه ليس للظلم مكاناً في وطني،  ولكنني كنت عاجزاً في ذلك لأنني لم أجد إلا تعريفاً واحداً واضحاً وهو (دخول البيت ونحوه فجأة وبعنف من غير إذن). كيف يتم الاقتحام من دون وجود العنف بين الطرفين؟ كيف يتم الاقتحام وقد أذن لهم اللواء بسام الرفاعي بالدخول عندما أمر حرس المجلس في فتح البوابات للدخول؟ لماذا التلاعبات ومحاولة الإلباس من قبل البعض إن كان إقتحاماً واضحاً؟ جميعنا نعلم أن الجبناء لايصنعون وطناً وها هو الناتج الواضح وهي الكارثة. فالكارثة أن تستخدم كلمةً واضحة المعنى لما هو عكس ذلك. فالكارثة أن الحق لايُسمع بل يُحفظ سراً من الناس. تتكاثر الشواهد على أنه تم فتح الأبواب ولم يتم استخدام العنف وها هنا دليل على عدم الاقتحام، وتتكاثر الشواهد في محاولة شخصٍ ما في الباس وظلم أشخاص وها هنا الفساد والتلاعب واتباع المصالح الشخصية. نحن لانعلم إن كانت النوايا التكسير والفوضة وتعطيل الجلسات داخل قاعة مجلس الأمة كما يقول البعض، ولكن نعلم بان التقرير قد وضح "العنف" الشديد الذي قام به المتجمهرين داخل القاعة وهو "قلاص ماي مكسور، والعلم شوي معوج، ورخامة متحركة" وبالطبع هذه جريمة أمن دولة كبيرة واضحة، ولله در العدل ومن يقوم به. الكارثة أن نرى الحكومة الفرنسية تعطي المعتصمين حق الإعتراض رغم تسجيل حالات شغب وعنف وحدوث تلفيات عامة من قبل ٣٠ ألف فرنسي، وبالمقابل في وطني يعتبرونها جريمة كبرى على رغم عدم تسجيل حالة شغب وعنف واحدة حيث كان التظاهر بمظهر سلمي وبعدد أكبر وكان يفوق الـ ١٠٠ ألف كويتي

 

     المعنى واضح لأصحاب العقول النيرة وبلا شك نعرف التمييز بين التطور والتخلف. مؤسف القول كلما تقدمنا خطوةً للأمام تراجعنا ٣٠ خطوة. مؤسف القول كلما ظهر الحق حاولوا إعمائه وتشكيكه. مؤسف القول كلما وقفنا ضد الراشي والمرتشي ومحاربة الفساد تنقلب الطاولة علينا. مؤسف القول أن ليس بإمكاننا سوى السكوت من أجل علامتهم الراضية. مؤسف القول أن ليس علينا سوى التجاهل من أجل التعايش في حياة كريمة. مؤسف القول أن زمننا اليوم لا يغني بالشريف الذي يكافح الفساد ويقف ضد الراشي و المرتشي، وإنما يمجد المتنكر الفاسد. مؤسف القول بأن البعيد أحق في بيته ولكن أحَب الوطن وها هو الثمن. فكيف تسجنون بجريمة لم ترتكبوها وأنتم الذين وقفتم من أجل الوطن؟ إن لم نقف معكم وننصركم فليس لنا ذرة من الحب تجاه الوطن ورجالاته. يقول المولى في محكم التنزيل {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} ليس لأهل الباطل حق ولن يعلو على الحق صوتاً، ودع الظالم لمحكمة الآخرة حيث لا حاكم إلا الله. تَبقَىَ تِلكَ العَجوزُ تنتَظر ولدَهَا البعيد‏ وَتِلكَ الفتَاةُ تنْتظر زوجها الحبيب‏ وأولئك الأطفال ينتظرون وَالدهم البطل. ‏لا أعلم من باع الوطن ولكنني رأيتُ من دفع الثمن.