!المركزي.. بيّضها
عبدالله السلوم
الكويت
نظرا للتبعات السلبية التي نتجت عن الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا، ترقب القطاع الخاص في الكويت حزمة اقتصادية سخية، بسقف آمال عالية، نسبيا، كتلك الحزم التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة العربية السعودية أو بريطانيا، أو غيرها من الدول الأخرى. ولكنها، جاءت دون ذلك.
أتى إعلان بنك الكويت المركزي للحزمة مصاحبا —بشكل أو بآخر— استياء أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة على وجه الخصوص، والقطاع الخاص ككل على وجه عام. والسبب هو اختلاف نوع الحزمة الاقتصادية عن حزم الدول الأخرى، إذ جاءت دون سقف التوقعات.
لعل أهم ما يخدم القطاع الخاص في هذه الحزمة هما البندين السادس والسابع. فالسادس معني بإقراض المشاريع المتوسطة والصغيرة بواسطة البنوك والصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة، بشروط ميسرة لمدة ٢ إلى ٣ سنوات شاملة فترة سماح من دفع الأقساط مدتها سنة، بفائدة لا تتجاوز ٢,٥٪ سنويا، على أن تتحمل الميزانية العامة للدولة الفوائد والعوائد عن السنة الأولى والثانية، أما السنة الثالثة فتكون مناصفة مع المقترض. أما السابع فهو معني بإقراض الشركات والعملاء المتضررين بواسطة البنوك فقط، بنفس شروط وفوائد البند السادس، على أن تتحمل الميزانية العامة للدولة الفوائد والعوائد عن السنة الأولى فقط، أما السنة الثانية فتكون بالمناصفة مع المقترض، على أن يتحمل المقترض فوائد وعوائد السنة الثالثة.
فهل هذا النوع من الحزم كفيل بالعناية بالاقتصاد الكويتي، وقطاعه الخاص؟ الجواب ببساطة هو نعم، هذه الحزمة ستحقق جدواها تجاه الاقتصاد الكويتي ككتلة واحدة، ولكنها في الوقت ذاته لن تخدم القطاع الخاص مثلما تخدمه حزم في دول أخرى. وهذا ما يجرنا إلى مكمن الخلل في منهجية الاقتصاد الكويتي. فكيف لحزمة اقتصادية أن تخدم الاقتصاد ككتلة واحدة في حين أنها لا تخدم القطاع الخاص بشكل مباشر؟
من هنا نشيد بدراسة بنك الكويت المركزي لمنهج الاقتصاد الكويتي، وآليات توزيع الثروة به. وبالوقت نفسه، تدارك هذه الدراسة لنوع الجدوى المطلوبة من الحزمة الاقتصادية كـ «مفهوم». فالهدف وراء «مفهوم» الحزمة الاقتصادية اليوم ليس مفهوما معتادا، بل مختلفا بنمطه ومسبباته ونتائجه. يدرك بنك الكويت المركزي بأن العالم يمر بأزمة صحية نتج عنها قرارات احترازية شلّت عمليات التشغيل في جميع المجالات، الأمر الذي أدى إلى اختلال موازين العرض والطلب مسببا أزمة اقتصادية. وعليه، تؤكد الدراسة بأن المعالجة لن تكتمل بمنظورها اقتصادي وحسب، بل تزامنا مع منظورها الصحي الذي نجم عنه ما يعيق تحرك عجلة الاقتصاد.
أما القطاع الخاص في الكويت فله خصوصية من حيث الحجم والوزن والدور في اقتصاد الدولة ككتلة واحدة مقارنة مع نظيره في الدول الأخرى. إذ يجرنا الأمر إلى آلية توزيع الثروة القومية من خارج حدود الدولة إلى الداخل. فبالنسبة للكويت، ودون التجرد بالآلية، تحصل الميزانية العامة للدولة إيراداتها النفطية التي تشكل ما يقارب بنسبته إلى ٩٠٪ من إجمالي الإيرادات، يعاد صرفها على شكل رواتب موظفين في القطاع الحكومي يشكلون ما هو أعلى من ٨٥٪ من المواطنين، وعلى شكل دعوم ومناقصات وممارسات تسجل كإيرادات للجزء الأول من القطاع الخاص الذي يغذي موظفيه برواتب شهرية. هنا تنتقل رواتب موظفي القطاع الحكومي ورواتب موظفي الجزء الأول من القطاع الخاص إلى الجزء الثاني من القطاع الخاص على شكل استهلاكي. أما الجزء الثالث من القطاع الخاص فهو قطاع صغير جدا قائم بذاته تمويليا لاعتماده على ناتج الصادرات. وهنا نستنتج بأن الاقتصاد الكويتي، بقطاعيه الحكومي والخاص، يقومان على الإيرادات النفطية بشكل أساسي، وبه تكون آلية توزيع الثروة «هرمية» الشكل، أي أن الثروة تدخل من طرف واحد في أعلى الهرم، ويتم توزيعها بأسس مختلفة لتصل إلى أدنى الهرم. وهذا ما يؤكد أن الاقتصاد الكويتي غير قائم على القطاع الخاص، أو بالأصح، لا يتأثر «فعليا» بانهيار القطاع الخاص، بل العكس.
الدليل على ذلك واضح وجلي، يتبين من خلال الاطلاع على أوزان عوامل معادلة إجمالي الناتج المحلي. بالشكل التالي:
إجمالي الناتج المحلي = مصروفات حكومية + استهلاك + استثمار + (صادرات — واردات)
في الكويت، وحسب قراءة إحصائيات السنوات الأخيرة، تشكل «المصروفات الحكومية» ما يقارب بنسبته إلى ٥٠٪ من إجمالي الناتج المحلي. وبناء على الشرح سالف الذكر، يتوجه الجزء الأكبر من تلك المصروفات إلى الاستهلاك، على افتراض تحفظي لتعادل الصادرات المحققة لإيرادات الميزانية العامة للدولة مع الواردات المستخدمة في الاستهلاك. وعليه، فإن إجمالي الناتج المحلي شبه قائم على المصروفات الحكومية والاستهلاك. أما في الولايات المتحدة، وحسب قراءة إحصائيات السنوات الأخيرة، تشكل «المصروفات الحكومية» ما نسبته أقرب إلى ٢١٪ من إجمالي الناتج المحلي. ففي حال توجه جميع المصروفات الحكومية إلى عامل الاستهلاك، يكون المجمل ٤٢٪ من إجمالي الناتج المحلي. هنا يأتي دور ووزن وحجم القطاع الخاص الذي يساهم بما نسبته أقرب إلى ٥٨٪ من إجمالي الناتج المحلي، وذلك من خلال الاستثمار وناتج الصادرات ولا سيما الاستهلاك.
فالأمر مرتبط باختلاف آلية توزيع الثروة في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي آلية غير هرمية، إذ أن مصدر الثروة في الدولة لا يقتصر على القطاع الحكومي وحسب، بل يتمثل بقنوات القطاع الخاص بشكل يفوق نظيره في القطاع الحكومي، وبه تدخل الثروات إلى الداخل من كل جانب.
بذلك نكون قد أشرنا إلى أسباب المفارقة بالسخاء النسبي في الحزم الاقتصادية بين الولايات المتحدة والكويت. فانهيار القطاع الخاص في الولايات المتحدة، حتى في تلك المجالات الاستهلاكية غير الداعمة للاقتصاد، تعني مزيد من البطالة وعدم قدرة المواطن على تلبية متطلبات الحياة الأساسية في ظل هذه الأزمة. أما في الكويت، فانهيار القطاع الخاص قد لا يعني شيئا مقارنة بالتداعيات الاقتصادية للأزمة، كانهيار أسعار النفط المسبب لأكبر عجز مالي قد تمر به الميزانية العامة للدولة. فالمواطن الكويتي في القطاع الخاص، بتلقيه لجميع المميزات المقدمة من القطاع الحكومي، كـ «دعم العمالة الوطنية» و «بدل الإيجار» و «علاوة الزوجية والأبناء»، فهو قادر —نسبيا— على تلبية متطلبات معيشته وأبنائه دون أي تقصير.
لذلك، وتقديرا للجهود، وجب الإشادة بحزمة عنت واعتنت بعدم تحميل الميزانية العامة للدولة عبء تمويل تلك القروض الميسرة، مقتصرة بعبء فوائدها فقط. برسالة إيمان وتأييد ضمنية تقصد في توجيهها أولئك الذين يثقون بأن مشاريعهم في القطاع الخاص قادرة على الاستمرار، وهم على استعداد لتحمل مخاطرة الاستمرارية، دون التأثير سلبا على الصالح العام، والاقتصاد الكلي ككتلة واحدة.
شكرا بنك الكويت المركزي.