شتان بين التعايش الحقيقي والعنصرية
عبدالله عبدالعزيز المنصور
Tucson, AZ
هناك خط رفيع جدًا بين التعايش الحقيقي وأول درجات العنصرية. ولا شك بأن العنصرية سمة يذمها الجميع ولكن كيف إن كان هذا الخلق موجود لدى البعض ويمارسه من غير أن يشعر؟ في هذه الأيام نلاحظ شريحة صغيرة في المجتمع ولكن صوتها مرتفع في وسائل الإعلام تتهجم بغرور على من لا يشابهم سواء بالجنسية أو أي فرق آخر كأنه أفراد هذه الشريحة إما ملك جاهل ورث الحكم ويريد أن يتحكم في مملكته بطريقة ترضي مزاجه المتقلب أو شريحة أخرى تشعر بأن حقوقها مسلوبة بسبب الغرباء. بخصوص الفئة الأولى نذكرهم بالآية الكريمة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير“ (سورة الحجر ات آية 13) ، والتي توضح الحكمة من خلق البشر بأشكال وصفات مختلفة رغم أنهم مخلوقين من مادة واحدة وهي أصلنا جميعًا وهي الطين. أما الفئة الأخرى فلها أسبابها ودوافعها وقد تكون منطقية ولكن نتساءل ما هي تلك الدوافع ومن هو مسببها؟
على الرغم أن الدستور الكويتي نص في المادتين 8 و 29 على أن البشر سواسية في الكرامات والدولة تؤمن تكافؤ الفرص لأبنائها ولكن لا نرى هذا على أرض الواقع. في دولة الكويت ترى شريحة من المجتمع بأنهم أقلية في بلدهم ليس بسبب التعداد السكاني للمواطنين الذي أصبح يشكل ما يقارب 35% لهم والأخرى وافدين من جنسيات مختلفة، وعلى الرغم أن هذا المؤشر يدل بشكل واضح على الخلل في التركيبة السكانية التي نعاني منها من سنين طويلة إلا أن المشكلة التي يرونها هي عدم توافر الفرص الوظيفية عالية المستوى وترقيات للمواطنين الأكفاء في قطاعات معينة مثل القضاة والمستشارين الدستوريين على سبيل المثال. لا ندري ما السبب وراء غلق الأبواب على المواطنين هل خوف من المواطن أم مراضاة لحكومات لا تشبع؟ للمواطن حق في المطالبة بالتكويت لأنه أصبح ضرورة قصوى وأيضا كل دولة يجب عليها دعم والاستثمار في كوادرها الوطنية. وبالجانب الآخر هناك إخوان لنا من دول صديقة وشقيقة كانوا سبب في إعمار دولة الكويت ومازالوا عنصر فعّال في المجتمع الكويتي ويشكرون على جهودهم. المشكلات السابقة خطرة ولكن الطامة الكبرى هي العمالة الهامشية والغير قانونية التي جلبها لنا تجار بشر ولحلها يجب الوصول والقضاء على الرأس الأكبر من التجار حتى ولو يظن نفسه (فوق القانون) يجب أن يكون عبرة لمن يعتبر. وكما صرح أحد أعضاء مجلس الأمة منذ سنوات عديدة بأن " الكويت هي الدولة الوحيدة التي تستورد بطالة " وهناك عضو آخر صرح بأن الخلل في التركيبة السكانية قنبلة موقوتة. وها نحن اليوم نجني ثمار الفساد والتراخي في تطبيق القانون والاكتفاء بالتصاريح لدغدغة مشاعر الشعب. ومن يرى بأن المخطئ في هذه القضية هو طالب الرزق المغترب فهو خاطئ بل اللوم يقع على عاتق من خشي من تطبيق القانون لمصالح شخصية أو خوف من أشخاص متنفذين.
كذلك ونحذر الجميع من أبناء وطني وغيرهم، من الاحتقار أو الاستهزاء بالغير خصوصا الوافدين فما هو إلا مغتربين طالبين رزق كحال الطلبة الكويتيين المبتعثين في الخارج هم مغتربين وطالبين علم، الخلاصة كما تريد أن يعاملك الغير وأنت خارج بلدك أو يعامل أحبائك راجع نفسك وسلوكياتك وأنت تعامل الوافدين هنا. إن المجتمعات المتقدمة تقدمت بسبب احترامها للإنسان لأنه إنسان بغض النظر عن أي شيء آخر وإذا أرادت تقييمه نظرت إلى مدى فعاليته ودوره في المجتمع إلى جانب أخلاقه ومحصله الأكاديمي حتى صارت تلك المجتمعات مجتمعات متطورة ومتعايشة بشكل حقيقي. أما في وطننا فنحن بحاجة إلى العدل لأنه متى ما انتشر أخذ الجميع حقوقه وقل الحسد وتعايش الجميع وكأنهم أسرة واحدة. والعكس صحيح ما إذا سُلِبت الحقوق وغاب تطبيق القانون وتمت تمييز فئة على حساب فئة أخرى سوف نوقف عجلة التنمية لحل صراعات عنصرية قد تكون حتى بين جيران أو أصدقاء وهذا هو الفشل الكبير.