

القفز الى المجهول
م. خالد حمود العتيبي
الكويت


عندما اندلعت الثورة التونسية في مطلع عام 2011 للميلاد جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه نجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي صاحب الجملة الشهيرة (انا فهمتكوا) وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المعيشية إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية ونجحت هذه الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة فبعد الثورة التونسية نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك تلتها بعد ذلك ثورة 17 فبراير الليبية والتي إنتهت بمقتل الرئيس السابق معمر القذافي وإسقاط نظامه ثم الثورة اليمنية التي أجبرت علي عبد الله صالح على التنحي ثم مقتله.
وأما الحركات الاحتجاجية فقد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي وكانت أكبرها هي حركة الاحتجاجات في سوريا كما تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ ظهر لأول مرة في تونس و أصبح شهيرًا في كل الدول العربية وهو : "الشعب يريد إسقاط النظام".
تم اختزال هذا التوجه العام في جملة: "إسقاط النظام" وهو ما يعني غياب النظام وإرساء الفوضى وقد استغل هذا الفكر الرغبة الفطرية لدى البشر في حب التغيير .. ولكن !!
هل التغيير سيكون للأفضل؟
وهل الفوضى تحقق نتائج تتطلع لها الشعوب أكثر من إرساء النظام رغم سلبياته من قمع وفساد وسوء في المعيشة؟؟
بعد ثمان سنوات نجد أنفسنا امام تساؤل مستحق وهو: هل ما قامت به الشعوب العربية جاء في مصلحتها أم العكس؟؟
لو قيمنا جميعنا تلك المرحلة وإرهاصاتها لحصلنا على آراء متباينة بين كل فرد في المجتمع العربي حسب منظوره الخاص وتوجهه الفكري وتجاربه الشخصية و انتماءاته الحزبية إلا أن الواقع يفرض علينا حقائق لا يمكن لنا أن نتجاوزها فالجميع يشهد على التراجع في التعليم والصحة وانهيارات في أسواق العمل وهجرات جماعية إلى التشرد في كل أصقاع الأرض ناهيك عن التنازلات الكبيرة التي قد ترتكبها الأنظمة الجديدة مجبرة لإرساء أركان الحكم في بلدانها وتجاوز المرحلة الحرجة التي يمر بها الإقليم العربي.
ولو قمنا بعمل flashback لثمان سنوات كما يفعل أحياناً المخرجين في الفن السابع هل سنقدم فعلاً على هذه الخطوة بعد أن انكشف لنا المستور ؟؟
أترك هذه الإجابة لكم
الخلاصة:
كثيراً ما يردد كبار السن في الكويت دعاء ( الله لا يغيّر علينا ) هذا الدعاء الذي انتشر بعد ظهور النفط لأنهم عاشوا حياة الفقر والشقاء ثم جربوا حياة الغنى والرخاء التي كفلتها لهم الدولة المدنية وحان لنا كجيل جديد أن نفكر جيداً في أساليب التغيير والحفاظ على رغبتنا العارمة بالتغيير إلى الأفضل دائماً ولكن بشكل تدريجي ومتوازن لعدم الوقوع في فخ التخبط والقفز إلى المجهول فقد يسير الشخص بسرعة مع ارتفاع معدلات الخطورة التي قد تسقطه فجأة بينما يمكنه أن يسير بخطوات ثابتة ومدروسة وتلك الخطوات بالتأكيد تحتاج إلى مزيداً من الوقت ومن تجربة شخصية أنصحكم بالأسلوب الثاني ليس فقط في المجال السياسي بل في كل المجالات الحياتية وعلى جميع الأصعدة.