top of page

المرأة في الكويت ... من رغبة الدعم إلى حاجة التمكين

د.دلال انور الشرهان

الكويت

samcEg7v_400x400.jpg
x.png

في صباح يوم ١٦ مايو سنة ٢٠٠٥ صوّت مجلس الأمة بتأييد ٤٠ من الإصلاحيين ومعارضة ١٠ إسلاميين بإقرار حقوق المرأة السياسية بعد محاولات وليست حملات لدعم هذا الحق. منذ ذلك اليوم، تحول المشهد السياسي الكويتي الذي كان أبطاله التيارات الإسلامية التي كانت تحارب وبشدة وتحرم إقرار هذه الحقوق بحجة "ولاية الأمر للمرأة" (مادري شكو!) إلى مغازلة المرأة سياسياً لجمع أكبر قدر من الأصوات الانتخابية. إثر ذلك تحولت الدراما السياسية وتغيرت معها انخراط المرأة ومخالطتها عالم يغزوه الرجال. ومن ذلك الحين بدأت تنكسر حواجز انفصال الجنسين وتتلاشى قضية "منع الإختلاط" بعد أن وصلت الى ذروتها عندما خلّف لنا مجلس الأمة أفشل قرارين في تاريخه والذي كلف الدولة الملايين، وهو إنشاء كلية البنات في عام ٢٠٠٣ وأنا أحد خريجاتها وأول دفعة قبلت فيها، ثم تحولت إلى كلية العلوم الحياتية بعد بضع سنوات من إنشائها. القرار الثاني هو إنشاء حرم جامعي للبنات منفصلاً عن البنين في جامعة الشدادية، ليكلف الدولة الملايين.  كان ذلك نتاج الرقص على قضايا تهيج مشاعر الشعب لتكسبات سياسيّة بحتة. 

 

ولكن بفضل من الله وحكمة صاحب السمو أمير البلاد كانت الرغبة في دعم المرأة واضحة وأول خطوة هي منحها حقوقها السياسية. أما في الآونة الأخيرة، بدأنا نرى في المشهد الحكومي خطوات رائعة في "تمكين المرأة" وهو مصطلح جديد على مجتمعنا. فبدأنا نرى حملات ومؤسسات غير ربحية ومراكز مثل "قدوة" جائزة الكويت للمرأة المتميزة، مركز دراسات وأبحاث المرأة في الكويت، بلسم انترناشونال، منتدى مساندة المرأة لدعم نجاح المرأة في القطاع الخاص الكويتي، والجمعية الثقافية الإجتماعية النسائية. مثل هذه البرامج والمراكز تعزز دور المرأة وتؤهلها للمناصب الإقتصادية و السياسية ومراكز صنع القرار.

 

المرأة من البرج العاجي

بصفتي امرأة من عامة الشعب الكويتي و منخرطة في العمل الخاص والأكاديمي معاً ومراقبة لهذه الحركة من بعيد جداً، أرى أن مثل هذه الحملات تعمل من برج عاجي جداً لتسلط الضوء على نساء بارزات في المجتمع الكويتي لتزيدهم لمعاناً وبريقاً. بصراحة، أنا لست ضد زيادة هذا البريق، فبريقهم ممتع جداً وأفخر به، ولكن نحن بحاجة لتمكين المرأة الضعيفة، المتسلط عليها، التي لا تملك قرار ولا اختيار، أراها وأتعامل معها بشكل يومي في مجالي الأكاديمي خاصة. فأنا كأستاذ مساعد في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب أتعامل مع طالبات ذات طموح ولكن تقتل طموحاتهم العادات والتقاليد. طالبات يتعرضن للعنف الأسري، وللتحرش الجنسي، ولقضايا كثيرة تؤثر على تعليمهم وأسلوب حياتهم، و أقف مكتوفة اليدين جاهلةً سبل المساعدة. فأين هذه "الحركات" من هذه "الممارسات”؟ 

 

ما هو "تمكين المرأة" وما هي تحدياته؟ 

تاريخياً، المرأة هي الشريحة الأضعف في المجتمع. فقد قال الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي "إن أول إضطهاد عرفه التاريخ هو إضطهاد النساء. مما يجعل نسف الأسس التي يقوم عليها ذلك الإضطهاد خطوة ضرورية لنسف كل إضطهاد آخر." مثل هذه الفرضية لا يمكن التشكيك في صحتها، فقد عانت المرأة الغربية والعربية على حد سواء أشكالاً مختلفة من الظلم إلا أن الأولى خطت خطوات في تقليل وقع هذا الظلم. أما المرأة العربية إلى الآن تعاني ظلم العادات والتقاليد والموروثات الدينية الخاطئة. وتعتبر العادات والتقاليد هي التحدي الأكبر في عملية تمكين المرأة. 

 

هناك تعاريف مختلفة لتمكين المرأة و امصطلح "التمكين" بحد ذاته. ولكن من باب التبسيط والاختصار، "تمكين المرأة" هو عملية تعزيز وتقوية المرأة بمنحها حق اتخاذ قراراتها الشخصية وإتاحة الفرص لها دون قيود في التعليم، والمهنة، وأسلوب الحياة. أما على الجانب المجتمعي، فهو ادخالها في المشاركة داخل الهياكل السياسية ودائرة صنع القرار الاقتصادي. 

 

أصبح مصطلح "تمكين المرأة" من المواضيع المهمة جدا وأحد الأركان الرئيسية للتنمية الإقتصادية المستدامة ولن تتم الرؤى المطروحة في الكويت (رؤية ٢٠٣٥) والمنطقة (رؤية السعودية ٢٠٣٠) بدون وجود خطة لتمكين المرأة. مثل هذه الرؤى تعتمد بشكل أساسي على الإستثمار في الموارد البشرية وتحفيز الإبداع في العصر الراهن للاقتصاد الإبداعي. فالمرأة نصف المجتمع ونصف ما تحمله هذه الموارد من قدرات و طاقات استيعابية وابداعات تعتبر إيراد أساسي لاقتصاد مجتمعاتنا.  فأصبح "تمكين المرأة" هو "حاجة" ضرورية وليست “رغبة" حين تم دعمها في ٢٠٠٥. 

 

تبقى المرأة قضية في أكثر المجتمعات انفتاحاً وتقدماً ولذلك يعتبر التمكين "عملية ومنهج" وليس منتج نصل إليه ونقف عنده، ويعرقل هذه العملية العادات والتقاليد التي فرضها المجتمع الذكوري. لذلك، يجب أن تتوازى عملية تمكين المرأة مع عملية "تمكين الرجل" لاستيعاب المرأة وإعادة تعريف دورها في المجتمع لنصل اإلى مجتمع متكامل واقتصاد مزدهر مستدام.

bottom of page