

د.شيخة الجاسم
جامعة الكويت


العنصرية
يتابع العالم أجمع احتجاجات الشعب الأمريكي على حادثة قتل الشاب ذو البشرة السوداء جورج فلويد على يد أحد رجال الأمن. تسببت هذه الحادثة بإيقاظ الغضب الشديد المكبوت في قلوب الأمريكيين حول العنصرية التي لازالت تعيش في صدور البعض.
الاحتجاجات لم تقتصر على الولايات المتحدة بل تظاهر الآلاف من البشر في عدة مدن أوروبية تضامنا مع فلويد وعائلته. بل أن هذه الحادثة جعلت الإعلام الأمريكي يستحضر كل ضحايا العنصرية من شباب سود قتلوا دون وجه حق.
المتابع لما يحدث من احتجاجات وفوضى وسرقة للمحلات وتخريب يشعر بالأسى لهذه الفوضى والدمار إلا أن التاريخ يقول بأن العالم الحي يتغير عندما تصحو الشعوب وما هذه الفوضى إلا بداية لتأسيس قيم مجتمعية أفضل ترضي الجميع وتشعرهم بالعدالة والأمان.
من أجل ذلك ترى استنفار الشعب الأمريكي على كل الأصعدة من أجل تشكيل المجتمع المنشود فمثلا يقوم علماء النفس والمهتمين بالشئون التربوية بدراسة أثر العنصرية وما حدث لفلويد على الأطفال الأمريكان وشعورهم بالأمان في بلدهم. كما يقوم الآباء بتعليم أبنائهم مخاطر العنصرية وترسيخ فكرة أن الأصل ولون البشرة كلها أمور خارجية فالبشر متشابهون من الداخل.
من جهة أخرى فعلى الرغم من الغضب الأمريكي والعالمي الشديد إلا أن الشعوب العربية لم تقم بحملة احتجاج واحدة مؤيدة لفلويد، بل أصبحت حملات التأييد العربية عبارة عن هاشتاغات على وسائل التواصل الاجتماعي. ربما يعود ذلك إلى معتقد الشعوب العربية بأن احتجاجاتهم لا تؤثر. و نزولهم للشارع لن يغير شيئا على عكس الشعوب الأوربية والأمريكية التي تعتقد أنها هي أساس الدول وليس الحكومات. بالتالي فإن غضب الشعب هو غضب مشروع ومبرر ويجب أن يحترم.
ومن المثير للاستغراب أنك قد تجد شخصا يقف مع فلويد ضد العنصرية وفي نفس الوقت ينشر تغريدات مسيئة ومليئة بالعنصرية ضد الوافدين! ذلك يدل على أنه لا يرى الخطأ إلا إذا فعله شخص آخر، لا يستطيع أن ينتقد تصرفاته الشخصية ولا يرى أن ما يقوم بنشره هو نوع آخر من العنصرية التي لا تختلف عما رآه في أمريكا.
ربما تكون العنصرية في أمريكا تعني التمييز ضد ذوي البشرة السوداء لكن هناك تحيزات أخرى مثل اعتقادك أن جنسك/ طائفتك/ أصلك/ دينك/ لونك ...الخ أفضل من الآخرين. وهذه التحيزات تعيش في أنفسنا جميعا وعلينا كما نسعى لنصرة فلويد أن ننظر داخل أنفسنا وننظف ما فيها من كره واستعلاء وعنصرية واستحقار للآخر المختلف.
دمتم بخير..