عبدالله وليد العنجري
San Diego, CA
انتهاكات الحكومة المُمنهجة والجسيمة لحقوق عديمي الجنسيّة
كشّفت مؤخرًا انتهاكات السلطة لحقوق الإنسان في قضايا كثيرة، والتي بلا شك تُسيء لصورة الكويت الخارجية لدى المجتمع الدولي. وقد سلّطت العديد من منظمات حقوق الإنسان العالمية كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس واتش الضوء على تلك الانتهاكات المؤسسيّة عن طريق حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وأيضًا عبر إصدار تقارير سنوية تُلخّص فيها هذه التجاوزات. إضافة إلى ذلك، قامت أبرز الصحف الغربية كالبي بي سي بتغطيات إعلامية مكثفّه للقضايا الإنسانيّة المحليّة في الكويت وتحديدًا قضية عديمي الجنسية أو «البدون».
كيف تسلب السلطات حقوق «البدون»؟
بالنظر لقضيّة عديمي الجنسية (أو البدون) في الكويت، فمُنذ عام ١٩٨٦ إلى اليوم والحكومة الكويتيّة تمارس سياسة الإقصاء والتهميش بحقهم وتقوم بخنقهم مدنيًا، فقد سَلبت هذه الحكومات المتعاقبة من عديمي الجنسية أهم حقوقهم الإنسانيّة الأساسيّة. حيث تم حرمانهم من حق التجنيس بالرغم من وجودهم في الكويت مُنذ عشرات السنين. وبالإضافة لذلك يُحرم عديمي الجنسية من حقوق مدنيّة بسيطة، كالتعليم و التطبيب والإسكان والتوظيف، و أيضًا رفض الحكومة لإصدار شهادات الميلاد والوفاة والزواج لهم وذلك على سبيل الأمثلة لما يعانوه من حرمان من حقوقهم المدنية.
«مشنقة»
أدّت هذه السياسات الحكومية القمعية إلى سلسلة إنتحارات مؤسفة لأبناء هذه الفئة المظلومة أثناء السنوات الماضية، و الجدير بالذكر أننا ما زلنا نرى الحكومة الحالية مستمرة بنهجها العقيم تجاه عديمي الجنسية بدلاً من أن تجد حلولاً إنسانية وعادلة لهذا الملف الذي يكبر يومًا بعد يوم ككرة الثلج. أضف إلى ذلك دور الحكومة بتضليل الرأي العام في كل شيء يخص هذه القضيّة من خلال أجهزتها الإعلاميّة، كما أن قامت العديد من الصحف المحليّة بخلق صورة نمطية سيئة عن البدون في السنوات الماضية.
من غير المعقول منع من وُلِد في الكويت ونشأ وترعرع فيها و لم يعرف دولةً غيرها من أبسط الحقوق المدنيّة، فقد خدم البدون وطننا على كافة الأصعده، منهم أطبّاء تطوّعوا في الطواقم الطبية منذ بداية جائحة كورونا، ومنهم من مثّل المنتخبات الكويتية الرياضية في المحافل الدولية، كاللاعبان سعدون وبدر الشمري اللذان قاما بالمشاركة مع المنتخب الكويتي في أولمبياد سيدني. والأهم من ذلك، منهم من ضحّى بروحه دفاعًا عن الكويت أثناء الغزو العراقي الغاشم وأيضًا في حادثة تفجير موكب أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، وليس لدى الإنسان شيئاً أثمن من روحه.
و على صعيدٍ آخر، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس واتش، أحد أبرز منظمات حقوق الإنسان العالمية، شارك العديد من النشطاء البدون في الكويت بإعتصام سلمي في منطقة الجهراء عام ٢٠١٩. تم تنظيم هذا الإعتصام نتيجة لإنتحار الشاب حمد مدعث (٢٠ سنة)، الذي انتحر بسبب تعسّف الحكومة ورفضها لإصدار وثائق رسمية له. و على الرغم من سلميّة الإعتصام، تم اعتقال ما لا يقل عن ١٤ ناشطًا من عديمي الجنسية بسبب تنظيمهم لهذا التجمّع الذي طالبوا فيه عن أبسط حقوقهم. بلا شك، هذه الإعتقالات التعسفيّة لأشخاص مارسوا حقهم بحريّة التعبير مرفوضة، ولا تليق بدولة تعتبر نفسها "مركزًا للعمل الإنساني".
«عديمي الجنسية و الجهاز المركزي»
بالإضافة إلى ما تم طرحه، لا يُخفى على أحد دور "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" في ظلم البدون في الكويت. فمُنذ نشأت هذا الجهاز والقضيّة مازالت عالقه دون حل، وبدل من أن يطرح الجهاز حلولاً إنسانيّة لهذه القضيّة، قام بتعقيدها. والجدير بالذكر أيضًا أن قد ساهم الجهاز في ابتزاز عديمي الجنسية، كما أنه ساهم في قمعهم، وأغلق جميع أبواب الرزق عليهم بشكل مؤسسي وبدعم حكومي كامل، مما أدّى إلى هجرة وانتحار العديد من شبابهم.
أضف إلى ذلك مساهمة الجهاز في السنوات الماضية بحرمان البدون من رواتبهم، و منع أطفالهم من التعليم الحكومي، و حجز شهاداتهم الجامعيّة، و فرض القيود عليهم، و قام الجهاز أيضًا بتجميد حساباتهم البنكيّة بعد انتهاء بطاقاتهم الأمنية. لذلك، لابُد من إنهاء عمل هذا الجهاز الذي يقوم بإعدام البدون مدنيًا و يُشوّه صورة الكويت في المجتمع الدولي، وبالمُقابل، إحالة هذا الملف للقضاء لسد الفراغ الناتج عن إلغاء الجهاز.
الخلاصة، ما تم ذكره هو جزء بسيط من سلسلة انتهاكات جسيمة لحقوق عديمي الجنسية على يد السلطات في الآونة الأخيرة. انتهجت الحكومات الكويتيّة المتعاقبة مُنذ عام ١٩٨٦ سياسية واحدة تجاه البدون وهي سياسة التهميش والعزل الإجتماعي، وهذا النهج الحكومي تجاه عديمي الجنسية بالطبع يتعارض مع أساسيّات حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المُتحدة.
نهج اللاإنسانية والاضطهاد والابتزاز و العنصرية لا يساهم في تنمية وبناء و ازدهار الأوطان وتقدمّها، بل على العكس تمامًا. قد يدعم البعض سياسات الحكومة القمعية بحجّة الدفاع عن "الهويّة الوطنيّة"، ولكن في واقع الأمر لا خير في هويّة وطنيّة تضطهد الأقليات وتحرّض على ظلمهم وكراهيتهم، ولا خير في هويّة وطنيّة مبنيّة على التمييز العرقي والتفرقة والتشكيك في الولاء.
كمواطن كويتي شاب محب لبلده، أطالب الحكومة بإصلاح نهجها بشكل جذري تجاه هذه القضيّة واللجوء إلى الحلول الإنسانيّة والمدنيّة، فبالإضافة إليّ، العديد من المواطنين الكويتيين يرغبون برؤية البلد تشمل الجميع دون تمييز. نريد أن نرى الكويت دولة تُحترم فيها حقوق الإنسان و تُصان فيها كرامته، سواء كان هذا الإنسان مواطن، عديم جنسية أم مُقيم. نريد الكويت دولة يحكمها الدستور و يعبّر فيها الإنسان عن رأيه السلمي دون الخوف من اعتقال تعسفّي، وبعيدًا عن سياسة تكميم الأفواه.
وفي الختام، أتمنى من أعضاء لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في مجلس الأمة محاسبة الحكومة على هذه الإعتداءات المتكررة لحقوق البدون، كما إني أدعو مؤسسات المجتمع المدني و المنظمات الغير حكومية والنقابات والاتحادات الطلابية إلى تسليط الضوء على هذه الإنتهاكات وإصدار بيانات استنكار رسمية تُعبّر فيها عن غضبها تجاه سياسة الحكومات الكويتيّة المتعاقبة في هذا الشأن.