خالد علي المحارب
الولايات المتحدة الأمريكية
اجتهادات
ام الرمادة في السنة ال١٧ للهجرة ، عمّ الفقر بين المسلمين، مما جعل من السرقه آخر وسيلة لبعض المسلمين لينقذوا بها انفسهم من الجوع والظمأ. كان امير المؤمنين وقتها هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا يخفى على أحد مدى حرص الفاروق على العدل والتمسّك بالشرع طوال حياته، ولكن " تحقيقًا للمناط " علّق سيدنا عمر بن الخطاب حد السارق.
تحقيق المناط في لغتنا العامية هو: تنزيل الحكم على الواقع، أي: البحث عن العلّه في الأصل لتطبيقها على الفرع.
ضرب لنا سيدنا عثمان بن عفان احد أروع الأمثله في الاجتهاد لتحقيق المناط، منع رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ ضوال الإبل بعد أن سأله سائلٌ عنها. كثرت الإبل الشاردة في عهد ابو بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي عهد عثمان، بدأت هذه الظاهره تأخذ منحنًا خطيرا فبدأت ذمم الناس تتسع وتسوِّل لهم انفسهم لسرقة الإبل الضاله، فأمر سيدنا عثمان بجمع الإبل ووضعها في بيت مال المسلمين تُعلف وتُسقى الى ان يأخذها صاحبها.
من الواضح هنا ايضًا ان عثمان عمل بعملٍ مضاد لما امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اختلاف العوامل بين عهد رسول الله وعهد عثمان هي من جعلت الإجتهاد واجبًا هُنا.
هل السارق في عام المجاعه ( الرمادة ) هو السارق الذي تقطع يده؟ ماكان هذا الّا من فراسة سيدنا عمر ومدى وسع فهمه ومرونته هو والصحابه في تفسير الاحكام الشرعية.
لو كان عام المجاعه و سرقة ضوال الإبل في وقتنا الحالي هل يجرؤ أحد أن يعمل بعمل عمر وعثمان؟
ومن زاوية أخرى لو كان عمر وعثمان في عصرنا هذا يعملون بإجتهادات مثل هذه ماذا ستكون ردة فعل " علماء الدين "والعامة؟ كم عالم دين و"مفتي" سيُكفرهم؟ أو يشكك بعقيدتهم أو بنواياهم؟
سأجيب من دون ان اسمح لكم بالتفكير، الأغلب سيفعل، ولا أظن انني أُبالغ في هذه الإجابة . وهذا يرجع حسب اعتقادي الى فهمنا المحدود للدين وعدم رؤيتنا للزوايا الأخرى من تاريخ الخلفاء الراشدين تحديدًا في الجانب التشريعي. فنحن نقرأ تاريخهم ولا نتدبره. فالتدبر ليس بالقرآن فقط، بل بالقرآن والسنة وفي تاريخ الرسول والخلفاء الراشدين.
كم من ازمةٍ مرّت منذ عهد الخلافه الراشده الى عصرنا هذا احتاجت هذه القوه والشجاعه؟ قوة وشجاعة العقل في الدين لا " السيف ".
ولكن من نحن لنقرر من مِنّا أَهلٌ لهذه المخاطرة؟ مخاطرة الوقوع في الشبهات والبدع. أرى أن الوصول لهذه النقطه هو كُل ما استطيع عمله، فلا أقوى ولا اظن انني قادر على التكلم عن جزئية
" مهدي " تحقيق المناط.
في الختام ما انا قادر على قوله من دون خوفٍ على " عقيدتي "، هو أن اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم اجمعين في عصرهم توضح لنا مدى مرونة الدين واحكامه الشرعيه في مختلف العوامل والأزمان "متى صدقت نوايانا في فهمها"، واجبٌ علينا أن نرى القصد من الحكم الشرعي في القرآن والسنة لنُحسن تطبيقه، ما هي فائدة هذا العقل إن لم نستخدمه؟
فلسنا افهم من عمر وعثمان بالدين ولا أحرص منهم عليه.